البحث والتحرّي عن الحقيقة

إن الحقيقة كالنور الصادر من المصباح، فالنور هو الأساس وليس المصباح. والمهم هو تحري الحقيقة من أي مصدرٍ كان. فالتعلق الشديد بالمصباح يحجب الإنسان عن معرفة قدر النور إن أضاء من مصباحٍ آخر. ففي البحث عن الحقيقة يجب وضع الأفكار السابقة جانبًا والنظر إلى الحقيقة المطلقة.  

أن الدين هو نور العالم. إن تحري تعاليم الدين يتطلب التخلص من القيود المتشددة والتعصب الأعمى. فالأديان جميعها من حقيقةٍ واحدةٍ وجميعها تظهر العلم الإلهي وتساعد في تقدم العالم الإنساني. إن هداية الله للبشرية هي الحقيقة، والحقيقة واحدةٌ لا تتجزأ. إن تحري الحقيقة بصورةٍ مستقلةٍ مع وضع الاختلافات جانبًا، سيؤدي إلى الوحدة والاتحاد. فالدين من شأنه أن يولد المحبة بين الناس ويؤلف بين القلوب. لذا يؤكد حضرة بهاء الله على ضرورة قيام الفرد شخصيًا بالتحري الموضوعي الحرّ عن الحقيقة لتأتي عقيدته مبنيةً على معرفته الشخصية وقناعته العقلية والقلبية، وألا تكون تبعية وتقليدًا للآخرين. 

هناك حاجةٌ إلى أدواتٍ للبحث عن الحقيقة. في اعتقاد البهائية، الدين والعلم معًا يعتبران وسيلتان قيّمتان لفهم الحقيقة، بشرط أن يتوافقا معًا، وكلاهما ضروريٌ لتحقيق التقدم والمعرفة.

أما فيما يتعلق بما إذا كان استخدام العقل وحده يعتبر أداةً صالحةً للتحقيق المستقل عن الحقيقة أم لا، فإن العقل يمكن أن يخبر ببعض الأشياء دون غيرها؛ وله القدرة على تقديم بعض المعرفة ولكنه محدودٌ أيضًا. 

وضّح حضرة عبد البهاء أن العقل وقِوى الفهم والإدراك يساعد في اكتساب الاستنتاجات الحقيقية والمعرفة الكاملة فقط عندما يقترن بنور «روح القدس». فضرورة انسجام العقل والقلب يساعد في رؤية الحقيقة من كل جوانبها. وفي الكتابات البهائية، يتم التركيز بشكلٍ خاصٍ على القلب عند البحث المستقل عن الحقيقة. كثيرًا ما تطلب الكتابات البهائية من طالب الحق أن يتأمل بقلبه، كتب عبد البهاء في هذا الخصوص: «لتكن قلوبكم صافيةً ونقيةً مثل المرايا المصقولة، لعلّ تنعكس فيها المجد الكامل لشمس الحقيقة». يُنظر إلى القلب أيضًا على أنه ساحةٌ تتبدّد فيها التناقضات الظاهرة، وقد كتب حضرة الباب أن «ما وراء هذين النقيضين، وهو الطريق الأوسط… لا يمكن فهمه إلا بالقلب. لقد خلق الله ليتم فهم وحدته وسموه، ومن خلال القلب يمكن رؤية الوحدة الإلهية على مستوى العمل». بينما يفترض البعض أن هناك تعارضٌ بين القلب والعقل أو الإيمان والمنطق، يعتقد البهائيون أن هذه انقساماتٌ خاطئةٌ وتستند إلى أوصافٍ غير ملائمةٍ لكل من الإيمان والعقل. تفضل حضرة عبد البهاء في هذا الخصوص: «إذا كان الدين يعارض العقل والعلم، فإن الإيمان مستحيلٌ. وعندما لا يظهر الإيمان والثقة بالدين الإلهي في القلب، لا يمكن أن يكون هناك بلوغٌ روحيٌ».

يا ابن الروح
أحبّ الأشياء عندي الإنصاف، لا ترغب عنه إن تكن إليّ راغبًا، ولا تغفل منه لتكون لي أمينًا، وأنت توفّق بذلك أن تشاهد الأشياء بعينك لا بعين العباد، وتعرفها بمعرفتك لا بمعرفة أحدٍ في البلاد. فكّر في ذلك كيف ينبغي أن تكون. ذلك من عطيتي عليك وعنايتي لك، فاجعله أمام عينيك.