المؤسّسات والمساواة بين الجنسين في المنطقة العربيّة

كيف يجد موضوعا المساواة بين الجنسيْن والتّعايش المتناغم تعبيرًا لهما على مستوى الوقائع الاجتماعيّة والمؤسّسيّة والقاعدة الشعبيّة الخاصّة بالمنطقة العربيّة؟

كان هذا من بين المواضيع الّتي تم تناولها في حدثٍ نظّمه الأعضاء العرب في وفد الجامعة البهائيّة العالميّة إلى الدّورة الثّامنة والسّتّين للجنة وضع المرأة التّابعة للأمم المتّحدة، والّتي تُعقد في الفترة من 11 إلى 22 مارس.

وقد عُقد هذا الحدث باللّغة العربيّة تحت عنوان “التّمكين من خلال المؤسّسات: مقاربة جماعيّة للمساواة بين الجنسيْن”، وشارك فيه متحدّثون من دولة الإمارات العربيّة المتّحدة ومملكة البحرين وجمهوريّة تونس.  وباستنادهم إلى بصائر من مجموعة من الخلفيّات المهنيّة المتنوّعة، بما في ذلك من الأوساط الأكاديميّة وبحوث السّياسات ووسائل الإعلام والخدمات الاجتماعيّة، عكس المشاركون في الحلقة النّقاشيّة ثراء وتنوّع المنطقة العربيّة ذاتها.

وقد انضمّ إلى هذا الحدث حوالي 85 مشاركًا من مجموعة متنوّعة من الدّول النّاطقة باللّغة العربيّة.

وقالت الدّكتورة رؤيا ثابت، ممثّلة الجامعة البهائيّة في دولة الإمارات العربية المتّحدة والّتي أدارت هذا الحدث، إنّ دمج مبادئ المساواة بين الجنسيْن في إطارٍ مفاهيميّ متّسقٍ واحد هو أمر أساسيّ لدعم العمل الفاعل على مستوى القاعدة الشّعبيّة.

كما وضّحت الدّكتورة ثابت “إنّ تنظيم الجهود حول هذا الإطار سيضمن وجود قوانين أساسيّة ومبادئ وعناصر مشتركة بين خطوط العمل المختلفة.  وهذا يتيح لنا تعزيز الخير والرّفاه والتّعلّم من المقاربات المختلفة دون الوقوع في التّقليد الأعمى.”

وقد تناول المتحدّثون في الحلقة النّقاشيّة مجموعة متنوّعة من القضايا المتعلّقة بالمساواة بين الجنسيْن في المنطقة العربيّة. حيث ركّزت ⁠الدّكتورة وجيهة البحارنة مؤسِّسة ونائب رئيس جمعية البحرين النّسائيّة للتّنمية البشريّة، على الرّوابط بين التّقدّم في المساواة بين الجنسيْن ونهضة جميع الشرائح السّكانيّة.

مشيرةً إلى الفائدة الخاصّة للّجان الّتي شكّلتها حكومة مملكة البحرين مؤخّرًا، والّتي وضعت المعايير والسّياسات لمساعدة المرأة والتّقدّم بالمساواة بين الجنسيْن. وذكرت الدّكتورة البحارنة: “نحن جميعًا شركاء في الإنسانيّة، وجميعنا شركاء في تقدّم مجتمعاتنا.  علينا أن نحيا معًا بأخلاق ومعايير إنسانيّة من شأنها أن تخلق عالمًا يتّسم بالتّعايش والسّلام والمحبّة والتّنوّع.”

وقد أكّد العديد من المتحدّثين على موضوع ترجمة مبادئ المساواة بين الجنسيْن إلى عمل عن طريق المؤسّسات الحكوميّة.  وفي هذا الصّدد، وصفت الدّكتورة ناجية الكتبي، الأستاذ المساعد في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانيّة، تجربة مجلس التّوازن بين الجنسين في دولة الإمارات العربية المتّحدة، الذي أنشئ عام 2015.

وأوضحت الدّكتورة الكتبي: “إنّ تخصّص هذا المجلس، والأمر الّذي ساعده على تحقيق المساواة، هو أنّه يقوم بمراجعة التّشريعات والسّياسات القائمة بما يساعد على تقدّم المرأة.  كما إنّه يقوم بوضع سياسات وتشريعات جديدة.”

ومن وجهة نظر شمال إفريقيّة، ⁠أشار الدّكتور محمد بن موسى ممثّل الجامعة البهائيّة في جمهورية تونس، إلى أنّ الإصلاحات المؤسّسيّة يجب أن تكون مصحوبة بتحوّلات أوسع نطاقًا في المجتمع وجزءًا لا يتجزّأ منها.

وتابع الدّكتور بن موسى:  “علينا أن نفكّر في كيفيّة تشكُّل التّقاليد والثّقافة وأنماط التّفكير على مستوى القاعدة الشّعبيّة.  فهناك العديد من القيم النّبيلة في المجتمع، ولكن هناك أيضًا العديد من العادات الّتي تقلّل من مستوى المرأة.  نحن بحاجة إلى فهم المساواة بين الجنسيْن على مستوى المؤسّسات والمجتمعات والأفراد على حدّ سواء.  وما لم يتمّ ترسيخ المساواة بين الجنسيْن، فلن يتقدّم الرّجال ولا النّساء”.

وأشارت السّيّدة عائشة خلفان الرّميثيّ مديرة إدارة البحوث في مركز تريندز (Trends) للبحوث والاستشارات في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، إلى أهميّة الاهتمام بخير ورفاه النّساء والرّجال على حدّ سواء، وبين بعضهم البعض.

وقالت السّيّدة عائشة الرّميثي:  “نحن بحاجة إلى النّظر بشكل فاعل في احتياجات كلٍّ من النّساء والرّجال، حتّى نتمكّن من تحقيق الاتّساق بين السّياسات الموضوعة لكلّ منهما، وما إذا كانت المؤسّسات … لديها التّوازن المناسب بين احتياجات كلّ منهما.”

وفي ختام المتحدّثين كان الدّكتور بديع جابري، رئيس الجمعية البهائيّة الاجتماعيّة في البحرين، وهي منظّمة دينيّة غير حكوميّة، حيث أكّد على الدّور المفيد الّذي يمكن أن تلعبه المؤسّسات الحكوميّة في خلق ظروفٍ من شأنها أن تعزّز التّقدّم في المساواة بين الجنسيْن.

وقال الدّكتور جابري:  “لقد أدّى الانفتاح والتّنوير الفكريّ والاجتماعيّ للمؤسّسات الحكوميّة في جميع أنحاء مملكة البحرين إلى خلق بيئة حاضنة للغاية ومرحّبة بمساهمات كلّ فرد في المجتمع.  ففي هذه اللّحظة المحوريّة من تاريخ البشريّة، من المهمّ مساعدة الثقافات والمجتمعات حول العالم لتستفيد من المشاركة الفعالة للنِّساء والفتيات في الفضاءات الاجتماعية”.

وقد تطرّقت النّقاشات المفتوحة بين المشاركين في الحدث إلى العديد من المواضيع الإضافيّة ذات الصّلة بالمساواة بين الجنسيْن في المنطقة العربيّة، مثل المسؤوليّة المؤسّسيّة، ومفهوميْ الذّكورة، وتعليم وتربية الأطفال.  كما أكّد العديد من المتحّدثين على الدّور البارز الذّي تلعبه الأسرة في تشكيل مفاهيم الرّجال والنّساء على حدّ سواء.

وشارك ممدوح الرّوحاني من مركز دراسات الرّخاء الاجتماعيّ: “في مئات التّجارب حول العالم، الأسرة هي الفضاء الرّئيسيّ الذّي تبدأ منه تعزيز ثقافة المساواة.”  وأضاف قائلًا: “إنّ المختبر الرّئيسيّة لتمكين المرأة، والبيئة الأساسي الذّي يتمّ فيه غرس وترسيخ القيم الأخلاقية والانسانية، هي الأسرة”، مؤكدا بأن الأمثلة على تقدم المساعي المبذولة لتمكين المرأة وتكافؤ الفرص واضحة بشكل خاص في كل من المملكة العربية السّعوديّة ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربيّة المتّحدة.

لقد كان هذا الحدث جزءًا من المشاركة الأكبر للجامعة البهائيّة العالميّة في لجنة وضع المرأة لهذا العام. إنّ البيان الرّسميّ الذّي قدمته الجامعة البهائيّة العالميّة إلى اللّجنة متاح باللّغتين العربيّة والإنجليزيّة.