وحدة الجنس البشري

إن مبدأ وحدة الجنس البشري هو المحور الذي تدور حوله جميع تعاليم حضرة بهاء الله، فالبشر جميعًا “أثمار شجرةٍ واحدةٍ وأوراق غصنٍ واحدٍ”. وقد رسم حضرة بهاءالله دائرة الوحدة، وهو مبدأٌ لا يطبق على مستوى الأفراد فحسب بل يتعلق كذلك بطبيعة العلاقات التي تربط بين الدول والأمم باعتبارهم أعضاء عائلةٍ إنسانيةٍ واحدةٍ. فالشعار الذي يرفعه الدين البهائي هو الوحدة في التنوع والتعدد. وقد وضّح حضرة عبدالبهاء جمال هذا التنوع في خطبةٍ ألقاها في أسفاره في أوروبا وأمريكا قائلًا:

لو كانت أزهار الحديقة ورياحينها وبراعمها وأثمارها وأوراقها وأغصانها وأشجارها من نوعٍ واحدٍ ولونٍ واحدٍ وتركيبٍ واحدٍ وترتيبٍ واحدٍ لما توفّر لمثل تلك الحديقة أيّ رونقٍ ولا جمالٍ بأي وجهٍ من الوجوه. أما إذا تعددت ألوانها واختلفت أوراقها وتباينت أزهارها وتنوعت أثمارها، تسبب كل لونٍ في زينة سائر الألوان وإبراز جمالها، وبرزت الحديقة في غاية الأناقة والرونق والحلاوة والجمال. كذلك الحال في تفاوت الأفكار، وتنوع الآراء والطبائع والأخلاق في عالم الانسان. فإنها إذا استظلّت بظل قوةٍ واحدةٍ، ونفذت فيها كلمة الوحدانية، تجلّت وهي في نهاية العظمة والجمال والعلوية والكمال.

ففي الوقت الذي تؤكّد فيه التعاليم البهائية على وحدة الجنس البشري، فإنها أيضًا تؤكّد على أهمية الحفاظ على التنوع الثقافي والفكري، بل وتؤكد بأن التنوع هو أساس الاتحاد. فالتنوع ليس عائقًا أمام وحدة الجنس البشري بل على العكس سببٌ لثرائه وقوته. وقد شبّه حضرة بهاء الله تنوع المجتمع البشري ووحدته بتنوع الخلايا والأعضاء في جسم الإنسان. فرغم التنوع والتباين في أشكال ووظائف ملايين الخلايا وعشرات الأعضاء في الجسم البشري إلا أن هذا التنوع هو سر حياة وصحة الإنسان؛ فالأعضاء والخلايا لا تتنافس بل تتكامل.

هذه الوحدة هي حقيقةٌ روحيةٌ تؤكدها العلوم الإنسانية بأسرها. إن علم الإنسان وعلم وظائف الأعضاء وعلم النفس تعترف بانتماء الإنسان إلى أصلٍ واحدٍ، رغم أن المظاهر الثانوية لحياته تختلف وتتنوع بصورةٍ لا حصر ولا عدّ لها. ويتطلب إدراك هذه الحقيقة التخلي عن التعصبات بكل أنواعها عرقيةً كانت أو طبقيةً أو دينيةً أو متصلةً باللون أو بالجنس أو بمستوى الرقي المادي. وبمعنىً آخر ترك كل ما يوحي إلى فئةٍ من البشر بأنهم أفضل شأنًا أو أسمى مرتبةً من سواها.

عاشروا مع الأديان بالروح والريحان ليجدوا منكم عرف الرحمن.

قل أن اتحدوا في كلمتكم واتفقوا فى رأيكم، واجعلوا إشراقكم أفضل من عشيكم، وغدكم أحسن من أمسكم. فضل الإنسان فى الخدمة والكمال لا في الزينة والثروة والمال.